أزمة صواريخ باتريوت الأمريكية: كيف أثرت إسرائيل وأوكرانيا على المخزون الدفاعي الأمريكي؟

20 يوليو 2025 - 1:32 م

في ظل التطورات المتسارعة على الساحة الدولية، برزت أزمة جديدة تهدد الجاهزية العسكرية الأمريكية، وهي أزمة صواريخ باتريوت الأمريكية. لم تعد المسألة تتعلق فقط بتقديم الدعم العسكري لأوكرانيا، بل امتدت لتشمل نقاشًا عميقًا حول أولوية المصالح الأمريكية، ومدى قدرة واشنطن على تلبية احتياجاتها الدفاعية في ظل استنزاف غير مسبوق لمخزوناتها من الأنظمة الدفاعية، وعلى رأسها نظام باتريوت الشهير.

ترامب يغير موقفه من أوكرانيا

في 7 يوليو 2025، وأثناء عشاء جمع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فاجأ ترامب الصحفيين بتصريحات قال فيها إن الولايات المتحدة ستقوم بإرسال “أسلحة دفاعية” إضافية لأوكرانيا. هذه التصريحات شكلت تحوّلًا ملحوظًا في موقف ترامب، الذي كان حتى وقت قريب ينتقد دعم أوكرانيا ويمتدح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

أشار ترامب إلى أن “الأوكرانيين يتعرضون لضربات قاسية”، مؤكدًا أن أمريكا ستزودهم بأسلحة تساعدهم في الدفاع عن أنفسهم، ولكن مع تركيز واضح على كونها “أسلحة دفاعية” فقط، في إشارة مباشرة إلى أنظمة باتريوت الدفاعية التي تطالب بها كييف منذ بداية الحرب.

أوكرانيا تستنجد والباتريوت هو الأمل الوحيد

مع تصاعد الهجمات الجوية الروسية، باتت أوكرانيا تعتمد بشكل كبير على صواريخ باتريوت الأمريكية لصد الضربات الجوية والصاروخية. رغم حصولها خلال الحرب على ست بطاريات باتريوت، فإن هذه البطاريات تصبح عديمة الفعالية دون الصواريخ المخصصة لها، والتي لا تُنتج إلا في الولايات المتحدة.

المشكلة أن كييف لم تحصل على الكمية الكافية منها، حيث تعتمد الولايات المتحدة حالياً على أولوياتها الاستراتيجية وتراجع مخزونها قبل الوفاء بأي التزامات خارجية.

إسرائيل… العامل الخفي في أزمة الصواريخ

اللافت في الأمر أن السبب الأهم وراء النقص الحاد في صواريخ باتريوت لم يكن الحرب في أوكرانيا، بل الدعم الأمريكي الواسع لإسرائيل في حروبها الأخيرة. على مدار العامين الماضيين، أطلقت واشنطن آلاف صواريخ باتريوت لاعتراض صواريخ إيرانية وحوثية استهدفت إسرائيل، ما أدى إلى استنزاف ضخم في المخزونات الأمريكية.

ووفق تقارير، فإن إسرائيل كانت مسؤولة بشكل غير مباشر عن استهلاك جزء كبير من صواريخ باتريوت، إلى درجة أن الولايات المتحدة باتت تمتلك أقل من 25% من مخزونها اللازم لتلبية خططها العسكرية الاستراتيجية، بحسب صحيفة “الجارديان”.

البنتاجون يوقف دعم أوكرانيا مؤقتًا

في يونيو 2025، أصدر نائب وزير الدفاع الأمريكي ستيف فاينبرغ قرارًا بوقف شحنة أسلحة متجهة إلى أوكرانيا، كان من المفترض أن تشمل أكثر من 20 صاروخ باتريوت، وأنظمة ستينغر، وصواريخ جو-جو. وقد تم اتخاذ القرار بناءً على مذكرة من البريدج كولبي، رئيس السياسات في البنتاجون، بعد مراجعة أظهرت خطورة انخفاض المخزونات.

هذه الخطوة اعتبرتها واشنطن “ضرورية لحماية مصالحها القومية”، لكنها جاءت في توقيت صعب للغاية لأوكرانيا، التي كانت تواجه أعنف موجة من الهجمات الجوية الروسية منذ بداية الحرب.

بوتين يستغل التردد الأمريكي

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم يضيع وقتًا. في 3 يوليو، وبعد مكالمة هاتفية مع ترامب، شن هجومًا جويًا واسعًا على أوكرانيا باستخدام 500 صاروخ ومسيّرة، في رسالة واضحة بأنه لن يتراجع. بعد هذا التصعيد، بدا أن ترامب تلقى “إهانة دبلوماسية” من بوتين، ما دفعه لتغيير لهجته تجاه كييف.

هل تكفي عشرة صواريخ باتريوت؟

رغم التغير المفاجئ في موقف ترامب، فإن القرار بإرسال 10 صواريخ باتريوت فقط لأوكرانيا أثار سخرية وانتقادات شديدة. هذا العدد لا يمثل حتى نصف الشحنة المعلقة في بولندا، ولا يتناسب بأي شكل مع حجم التهديدات التي تواجهها كييف.

المانيا عرضت شراء بطاريات جديدة من الولايات المتحدة لتسليمها لأوكرانيا، لكن ترامب رد باقتراح مثير: “بيعوا واحدة من بطارياتكم الحالية!”، ما يوضح مدى التردد الأمريكي في تقليص قدراته الدفاعية الداخلية.

أزمة إنتاج صواريخ باتريوت

تكمن المشكلة الأكبر في أن إنتاج صواريخ باتريوت عملية معقدة وبطيئة. شركة “لوكهيد مارتن” – المصنعة الوحيدة لصواريخ باتريوت باك-3 – تهدف إلى إنتاج 600 صاروخ فقط في 2025، وربما تصل إلى 650 في 2026، وهي كمية غير كافية لتلبية الطلب العالمي، خاصة مع وجود 19 دولة حول العالم تعتمد على هذا النظام.

ووفقًا لتقديرات الجيش الأمريكي، فإن كل قيادة عسكرية تنتظر أمام المصنع للحصول على صواريخها الخاصة، في ظل أولوية البنتاجون على أي دولة أخرى.

هل تستغل الصين الوضع الحالي؟

في مايو الماضي، حذر النائب الجمهوري توم كول من أن الولايات المتحدة غير مستعدة لأي صراع طويل الأمد بسبب نقص الذخائر، مضيفًا أن “أي حرب قصيرة ستكون قصيرة لأننا ببساطة لا نملك ما يكفي من الصواريخ”.

هذا التحذير يفتح الباب أمام سؤال خطير: هل تستغل الصين هذه الثغرة وتشن هجومًا على تايوان؟

الواقع أن انخفاض المخزونات العسكرية الأمريكية يمثل نقطة ضعف كبيرة قد تُغري الخصوم، وهو ما يزيد الضغوط على إدارة ترامب لاتخاذ خطوات حاسمة وسريعة لإعادة بناء الترسانة الأمريكية.

خاتمة: هل تعود أمريكا إلى دورها كقوة ردع؟

تُظهر أزمة صواريخ باتريوت الأمريكية أن سياسة الدعم العسكري العشوائي لحلفاء مثل إسرائيل قد تنعكس سلبًا على قدرة الولايات المتحدة على حماية مصالحها العالمية. وبينما تستمر الحرب في أوكرانيا، تبدو واشنطن عالقة بين الرغبة في دعم كييف والاحتفاظ بقدراتها الدفاعية لمواجهة خصوم مثل الصين. وفي نهاية المطاف، فإن السؤال الجوهري هو: هل تستطيع أمريكا إعادة بناء مخزوناتها بسرعة كافية دون التخلي عن حلفائها؟ الإجابة لا تزال في طور التشكّل.