هل يغير الصاروخ الروسي الحديث “أوريشنيك” قواعد الحرب النووية؟
موقع الدفاع العربي 13 ديسمبر 2024: أثار إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن صاروخه الباليستي الحديث متوسط المدى الفرط الصوتي وتصريحاته حول قوته تساؤلات حول كيفية تغيير هذا السلاح لمشهد الحرب النووية.
أطلقت روسيا صاروخ “أوريشنيك” التجريبي، أو “شجرة البندق”، لأول مرة في هجوم على مصنع دفاعي في مدينة دنيبرو وسط أوكرانيا أواخر نوفمبر. وقالت وكالة المخابرات العسكرية الأوكرانية إن الصاروخ حمل ستة رؤوس حربية، وكل منها أطلق ست ذخائر فرعية.
تم حظر الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز متوسطة المدى التي يتراوح مداها بين 500 كيلومتر و5,500 كيلومتر بموجب معاهدة تعود إلى الحقبة السوفيتية بين واشنطن وموسكو، رغم أن الولايات المتحدة انسحبت منها في 2019 عقب اتهامها روسيا بانتهاك الاتفاقية.
وصرح بوتين يوم الثلاثاء بأن روسيا ليست بحاجة إلى “تحسين العقيدة النووية”، لكنها ستركز بدلًا من ذلك على تطوير صاروخ “أوريشنيك“. وكانت روسيا قد حدّثت عقيدتها النووية الشهر الماضي لتبرير استعمال ضربة نووية ردًا على أي هجوم تتعرض له روسيا من قبل دولة غير نووية مدعومة من دولة تمتلك أسلحة نووية.
وفي إيجاز صحفي للبنتاغون، قالت نائبة السكرتير الصحفي سابرينا سينغ إن “اختيار روسيا لإطلاق هذا النوع من الصواريخ (أوريشنيك) لن يكون مغيرًا لقواعد اللعبة في ساحة المعركة. إنه مجرد محاولة أخرى لإلحاق الأذى والخسائر في أوكرانيا”.
وأضافت أن هجومًا آخر باستخدام صاروخ “أوريشنيك” قد يحدث “في الأيام المقبلة”.
وقال بوتين: “إذا نظرنا عن كثب، فإن تواجد عدد كافٍ من هذه الأنظمة الحديثة المتطورة سيزيل الحاجة فعليًا لاستخدام الأسلحة النووية”، وفقًا لما نقلته وكالة الأنباء الروسية “تاس”.
ويتساءل عدد من الخبراء عما إذا كانت الجهود لتطوير أسلحة إضافية مثل “أوريشنيك” ستغير قواعد الحرب النووية، عقب ما يقرب من ثلاث سنوات من تصعيد الناتو لهجته تجاه ما وصفه بالتلويح النووي من موسكو.
الصورة: © AP / الخدمة الصحفية لوزارة الدفاع الروسية
ما هو صاروخ “أوريشنيك”؟
يُعتقد أن السلاح هو نسخة معدلة من صاروخ “آر إس-26 روبِيج” الروسي الباليستي متوسط المدى، مع مكون من صاروخ “بولافا” (Bulava) الذي تم تطويره في موسكو في التسعينيات.
وبالإضافة إلى التفاخر بقوة “أوريشنيك” والتلميح إلى تراجع أهمية الأسلحة النووية عقب نشره، أشار بوتين أيضًا إلى أن الصاروخ يحلق بسرعة تبلغ عشرة أضعاف سرعة الصوت، أو 10 ماخ.
وقال المسؤولون الأوكرانيون إن هذه كانت أول مرة معروفة يتم فيها استعمال صاروخ باليستي عابر للقارات في القتال، حيث وصل إلى سرعة 11 ماخ.
تتميز الصواريخ الباليستية متوسطة المدى بقدرتها على المناورة أثناء الطيران بسرعات عالية، مما أكسبها تصنيف “فرط الصوتية” (hypersonic). وتشتهر الصواريخ الفرط الصوتية ليس فحسب بسرعتها، بل أيضًا بقدرتها على تنفيذ ضربات دقيقة وتسليم الرؤوس الحربية إلى مناطق واسعة.
يعمل “أوريشنيك” كمركبة إعادة دخول مستقلة متعددة (MIRV) يعود إلى حقبة الحرب الباردة، مما يعني أنه يمكن أن يحمل سلسلة من الرؤوس الحربية الموجهة نحو مواقع محددة متعددة.
وباعتبار السلاح صاروخًا متوسط المدى وليس صاروخًا بعيد المدى، فإن روسيا ليست مقيدة باستخدامه بموجب معاهدة “نيو ستارت”، التي تضع حدودًا على نشر روسيا للصواريخ الباليستية العابرة للقارات.
روسيا تطلق صاروخا باليستيا جديدا من طراز أوريشنيك ضد أوكرانيا
تحديث العقيدة النووية الروسية
وقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في نوفمبر قانونًا يتضمن نسخة محدثة من العقيدة النووية الروسية، تزامنًا مع بلوغ أوكرانيا 1,000 يوم من الحرب مع جارتها.
في النسخة المحدثة، أكد بوتين أن الردع الروسي سيتم تنفيذه “ضد عدو محتمل”، مشيرًا إلى ضرورة ضمان “فهم العدو المحتمل لعدم إمكانية الإفلات من الانتقام في وضع حدوث عدوان ضد الاتحاد الروسي و[أو] حلفائه”.
جاء هذا التحديث عقب أن منح الرئيس الأميركي جو بايدن أوكرانيا الإذن باستخدام أسلحة غربية بعيدة المدى لتنفيذ ضربات عميقة داخل الأراضي الروسية.
عقب الهجوم الروسي على دنيبرو باستخدام صاروخ “أوريشنيك”، قدّرت مديرية الاستخبارات الرئيسية بوزارة الدفاع الأوكرانية أن روسيا يمكنها تصنيع 25 صاروخًا من هذا الطراز شهريًا، يكافئ 300 صاروخ سنويًا، وفقًا لمجلة ميليتاري ووتش. ومع ذلك، رفض أندري كوفالينكو، رئيس مركز مكافحة المعلومات المضللة في أوكرانيا، هذا التقدير في منشور على “تيليغرام”.
وأوضح كوفالينكو: “الوسيلة الإعلامية التي تنشر هذه المعلومات المضللة في العالم الناطق بالإنجليزية هي مجرد واجهة تهدف إلى شرعنة معلومات مؤيدة لروسيا ونشرها على نطاق أوسع”.
وأشار إلى أن تصنيع روسيا للصواريخ المتطورة تكنولوجيًا تباطأ بصورة كبير نتيجة العقوبات. وأضاف: “تصنيع صواريخ أشد تطورًا، مثل كينجال، يتم بأعداد قليلة فحسب. أما أوريشنيك، فهي دورة تصنيع أشد تعقيدًا، لذا فإن الحديث عن تصنيع كميات كبيرة منها هو خبر زائف متعمد. والغرض من هذا الزيف هو نشر الخوف في المجتمعات الغربية”.
ووفقًا لموقع “ذا إنسايدر” الروسي، أشار بوتين إلى أن تنفيذ عدة ضربات باستخدام هذه الصواريخ يمكن أن يكون مشابهًا في القوة التدميرية للأسلحة النووية.
قد تكون مناورة للتخويف
تحدثت مجلة نيوزويك مع جون إيراث، المدير السياسي الأول لمركز الحد من انتشار الأسلحة، حول ما إذا كان استعمال روسيا لصاروخ “أوريشنيك” يمكن أن يغير قواعد الحرب النووية.
“على الإطلاق”، قال إيراث. “لدى روسيا بالفعل القدرة على إيصال أسلحة نووية إلى أي مكان تريده. هذا الصاروخ تحديدًا متمكن على حمل رؤوس نووية، لذا يمكن وضع سلاح نووي عليه. وإذا أُطلق نحو أوروبا الغربية، فسيُعتبر تهديدًا نوويًا صريحًا، لأنك لن تعرف ماهية الرأس الحربي حتى يصل وينفجر”.
واعتبر إيراث توقيع بوتين على العقيدة النووية المحدثة بمثابة “مناورة للتخويف”.
وأوضح: “التحديث الذي أُجري على العقيدة النووية لم يكن جذريًا. تم تعديله ليبدو أشد تهديدًا، لكن جوهر الموضوع لم يختلف كثيرًا. إنها قسم من الاستراتيجية الروسية العامة لإقناع الدول الداعمة لأوكرانيا بأن تكاليف استمرار دعمها ستكون أعلى بكثير من التوصل إلى سلام سريع وإنهاء الحرب”.
وفي تعليق نُشر من خلال المعهد الملكي للخدمات المتحدة (RUSI)، كتب الباحث البارز سيدهارث كوشال ومدير العلوم العسكرية ماثيو سافيل وجهات نظرهما حول استعمال روسيا لصاروخ “أوريشنيك” وتأثيره على مشهد الحرب النووية.
وقالا: “بالنسبة لروسيا، توفر الهجمات الجماعية بالطائرات المسيرة ومزيج من الضربات الصاروخية الباليستية وصواريخ كروز الرد الأكثر فائدة من الناحية التكتيكية، خصوصًا مع اقتراب الشتاء. لذلك، من غير المرجح أن يؤدي استعمال أوريشنيك إلى تغيير كبير في حسابات كيفية شن أو ردع الضربات بعيدة المدى من أي من الجانبين”.
وأضافا: “هذا يزيد من تعقيد معضلة الردع بالنسبة لروسيا في مجال أشد أهمية، وهو الاستقرار الاستراتيجي الشامل. من جهة، لم يتم تجاوز الخطوط الحمراء الحرجة من قبل أي طرف: لم تنشر قوات الناتو بصورة مباشر في أوكرانيا لمقاتلة القوات الروسية، ولم تشن روسيا هجومًا عسكريًا تقليديًا على دول الناتو. ولا تزال عدد من المعايير قائمة، مثل تقديم روسيا إشعارًا مسبقًا للولايات المتحدة قبل الإطلاق”.