صحة أطفال غزة النفسية.. الحاجة إلى علاج أضرار “غير مرئية”

22 يوليو 2024 - 9:32 ص

صحة أطفال غزّة النفسية.. الحاجة إلى علاج أضرار “غير مرئية”

في وقت تُندّد فيه جهات عدّة بانهيار المنظومة الصحية في قطاع غزّة، وبالنقص في الإمدادات الطبية وما إليها، جرّاء تشديد الحصار الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي على الفلسطينيين من خلال إغلاق المعابر ومنع إدخال المساعدات التي من شأنها معالجة الأمراض البدنية، تبرز محاولات تستهدف صحة أطفال غزّة النفسية. والأولوية بالنسبة إلى كثيرين تُعطى لمعالجة الجروح الناجمة عن قصف القوات الإسرائيلية، وتطويق سوء التغذية الناجم عن سياسة التجويع التي ينتهجها الاحتلال، والتخفيف من الأمراض المعدية وتلك الجلدية وغيرها الناجمة عن ظروف العيش في مناطق محدّدة من القطاع تكتظّ بالنازحين الذين هجّرتهم آلة الحرب الإسرائيلية، وتوفير العلاج اللازم للمصابين بأمراض مزمنة، وما إلى ذلك.

وبينما ينصبّ التركيز على الصحة البدنية للفلسطينيين في قطاع غزّة، صغاراً كانوا أم كباراً، فإنّ هؤلاء جميعاً، أو معظمهم، بحاجة ماسة إلى عناية بصحتهم النفسية أو إلى دعم نفسي، أو إلى التفاتة ما على أقلّ تقدير، وسط كلّ ما يعيشونه ويقاسونه جرّاء الحرب الإسرائيلية المدمّرة التي تستهدفهم منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، لا سيّما الصدمات التي تخلّف لدى كثيرين اضطرابات نفسية عديدة، منها اضطراب ما بعد الصدمة.

وقد حذّرت منظمة “سيف ذا تشيلدرن” (أنقذوا الأطفال) من انهيار صحة أطفال غزّة النفسية، في تدوينة نشرتها على موقع إكس أمس الأحد. وأشارت المنظمة إلى أنّه “لا يمكن تصوّر الأذى الذي طاول أطفال غزّة بعد تسعة أشهر من الحصار والقصف المتواصل”، وشدّدت: “نحن بحاجة إلى وقف لإطلاق النار الآن، ووصول آمن إلى الأطفال وتوفير المساعدة لهم”. ونقلت “سيف ذا تشيلدرن”، في التدوينة نفسها، شهادة أمّ فلسطينية في قطاع غزّة قالت فيها إنّ “الأطفال خائفون وغاضبون ولا يكفّون عن البكاء”. وإذ لفتت الأمّ إلى أنّ ثمّة بالغين كثيرين يشعرون بالخوف والغضب ويبكون باستمرار، رأت أنّه “يصعب على البالغين التعامل مع كلّ هذا، فكيف بالأطفال؟”.

أطفال غزّة في وجه الصدمات والأهوال

في سياق متصل، كانت المقرّرة الأممية الخاصة المعنيّة بحقّ كلّ إنسان في التمتّع بأعلى مستوى ممكن من الصحة البدنية والنفسية تلالنغ موفوانغ قد حذّرت، في إبريل/نيسان الماضي، من مخاطر الأمراض والاضطرابات النفسية بين الفلسطينيين في قطاع غزّة بعد سنوات من الآن، على خلفيّة الحرب الإسرائيلية المتواصلة. وقالت موفوانغ: “بطبيعة الحال، نرى الإصابة البدنية. ولأنّها بدنية، يمكن للمرء أن يقدّر مدى خطورتها. لكنّ الألم النفسي الحاد، الذي سوف يتحوّل بعد ذلك إلى رهاب وأنواع أخرى من الأمراض النفسية في مرحلة لاحقة من الحياة، أمر مهمّ حقاً للبدء في وضعه بعين الاعتبار”.

من جهتها، أفادت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) بأنّ “أطفال غزّة يواجهون يومياً الأهوال والصدمات”. وأضافت، في تدوينة نشرتها على موقع إكس الأحد، أنّه “على الرغم من التحديات المستمرّة، تواصل فرق أونروا تقديم الدعم في مجال الصحة النفسية لهؤلاء الأطفال”. وفي تعليق على صور ثلاث أرفقت بها تدوينتها، كتبت وكالة أونروا أنّ الأشخاص الذين يظهرون في تلك الصور هم “زملاؤنا في خانيونس (جنوب قطاع غزّة) اليوم”، موضحةً أنّهم يقيمون نشاطات لأطفال انفصلوا عن عائلاتهم، في محاولة لجعلهم “يلهون من جديد، كما يفعل الأطفال”.

ولطالما عُدّت الصحة النفسية أساسية، منذ بداية الحرب الإسرائيلية على الفلسطينيين في قطاع غزّة، لا سيّما من منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) ووكالات أممية أخرى ومنظمات دولية مختلفة. وفي تقرير صادر في إبريل الماضي، أفاد مكتب منظمة يونيسف في الولايات المتحدة الأميركية بأنّ الأطفال في قطاع غزّة يعانون نفسياً وبدنياً، إذ إنّهم اضطروا إلى النزوح بسبب العنف والتهديد المتواصل بالقصف، من دون إمكانية الحصول على غذاء ولا على مياه مأمونة.

كذلك، لفتت منظمة يونيسف، أخيراً، إلى أنّ تقديراتها تبيّن أنّ جميع أطفال غزّة بحاجة إلى دعم في مجال الصحة النفسية، وهو ما يعني أكثر من مليون طفل. وقد شرح مدير الاتصالات لدى مكتب المنظمة في الأراضي الفلسطينية المحتلة جوناثان كريكس أنّ أعراضاً عديدة تظهر على أطفال غزّة تؤكد ضرورة إحاطتهم نفسياً، وأشار في هذا الإطار إلى مستويات عالية جداً من القلق المستمر وفقدان للشهية وعدم قدرة على النوم ونوبات هلع وشعور بالفزع عند سماعهم قصفاً. يُذكر أنّ تقديرات منظمة يونيسف، قبل الحرب الأخيرة على قطاع غزّة، كانت تدلّ على أنّ 500 ألف من أطفال غزّة بحاجة إلى متابعة في مجال الصحة النفسية.

ولأنّ التعلّم يُعَدّ من الأدوات الأساسية المؤدية إلى ضمان سلامة الصحة النفسية لدى أطفال غزّة كما كلّ الأطفال في العالم، لفت صندوق الأمم المتحدة العالمي للتعليم في حالات الطوارئ والأزمات التي طال أمدها (التعليم لا ينتظر) إلى ضرورة دعم الصحة النفسية لأطفال غزّة، مرّات عدّة خلال الحرب الإسرائيلية المتواصلة. ولعلّ آخرها قبل ساعات، من خلال تدوينة نشرها مسؤول المناصرة والتواصل لدى الصندوق كينت بايدج، أكّد فيها أنّهم يدعمون “حقّ كلّ طفل في الأمان والأمل بالتعليم، خصوصاً في الصراع المسلح”، مشدّداً على أنّ “تعلّمهم وصحتهم النفسية يعتمدان على ذلك”.

وفي تدوينته، نقل بايدج، تحت وسم “هير ذير فويسز” (اسمعوا أصواتهم) شهادة فتاة فلسطينية في قطاع غزّة، قالت: “أنظر إلى ساحة المدرسة وأتذكّر تلك اللحظات التي أمضيتها مع أصدقائي خلال وقت اللعب”. وقد وُضع كلام الفتاة التي لم يُذكر اسمها، والتي مثّلت لسان حال كثيرين من أطفال غزّة، على خلفيّة تظهر فيها مدرسة تابعة لوكالة أونروا وقد ألحق القصف فيها أضراراً.

وعلى خلفية صورة مدرسة “أونروا” المتضرّرة نفسها، وتحت وسم “اسمعوا أصواتهم” ذاته، نقل صندوق “التعليم لا ينتظر” شهادة طفلة فلسطينية أخرى على صفحته الرسمية على موقع إكس. وقد قالت الصغيرة: “أفتقد منزلنا الذي ابتعدنا عنه لأكثر من 200 يوم. أخبرنا أحد الجيران أنّ المنطقة التي نعيش فيها تحوّلت إلى كومة من الركام”. أضاف الصندوق الذي تديره منظمة يونيسف أنّه يدعم “حقّ كلّ طفل في الأمان والأمل بالتعليم المستمرّ”، مؤكداً أنّ “تعلّمهم وصحتهم النفسية يعتمدان على ذلك”. والشهادتان المذكورتان ليستا سوى عيّنتَين من شهادات عديدة عمد إلى نقلها الصندوق الأممي، بهدف التشديد على أهمية الصحة النفسية والتعلّم وعلى ارتباطهما الوثيق.