خطورة التشخيص الذاتي للأمراض النفسية عبر المنصات الرقمية
في عالمنا سريع الوتيرة ومع التطور التكنولوجي الهائل الذي يحيط بنا في كل جانب من جوانب الحياة وبشكل غير مسبوق، ومع توغل وجود المنصات الرقمية زاد إقبالنا عليها، وباتت عند البعض منا مصدرًا موثوقًا للحصول على المعلومات، وتشخيص حالات طبية ونفسية عديدة ذاتيًا دون الرجوع إلى الأطباء والمختصين، وهنا تكمن الخطورة.
فقد أصبح الوصول لأي معلومة أكثر سهولة، وهذا قد سهل علينا مهمات الحياة اليومية. قد يكون لذلك فوائد ولكن الأضرار أكثر منها، لأن التطور الرقمي وإمكانية الوصول لأي معلومة قد يكون له جانب سلبي، خاصةً في مجال الصحة النفسية إذ يمكن أن يؤدي سوء استخدام المعلومات المتاحة والتي غالبًا ما تكون غير موثوق بها إلى عواقب وخيمة، من أهمها خطر التشخيص الذاتي للأمراض النفسية استنادًا على مصادر غير دقيقة.
من أجل ذلك ولأهمية التشخيص السليم في العلاج والوقاية من أي عارض أو مرض نفسي، ولتزايد الاقبال على هذه المنصات، نلتقي اليوم بالدكتورة مارينا حكميان وهي أخصائية نفسية مرخصة من هيئة تنمية المجتمع، وتعمل في مركز ثرايف للصحة النفسية، لالقاء الضوء على هذا الموضوع المقلق الناتج عن توافر المعلومات عبر الإنترنت على نطاق واسع، مما يؤدي إلى الأحكام المسبقة والتشخيصات الخاطئة، لأن البعض قد يكتفي بها دون استشارة الأطباء النفسيين أو المختصين المعنيين بوجه عام.
ما هي خطورة عدم دقة التشخيصات الذاتية؟
لقد كان من السهل جدًا أن أصف نفسي بمختلف الحالات النفسية. فقد كان هذا جزءًا من رحلتي لفهم نفسي. في حين أن تعيين تسميات قد يوفر شعورًا بالراحة إلا أن هذه التشخيصات الذاتية غالبًا ما تكون غير دقيقة. كما أن كثير من الأفراد لا يستوفون المعايير اللازمة للتشخيص السليم، مما يؤدي إلى انتشار واسع للتسميات الخاطئة والمعلومات المغلوطة.
في زمننا الحالي تعرض المنصات الرقمية المتعددة مثل جوجل وتيك توك وإنستغرام على المستخدمين محتوى حول الصحة النفسية ليس موثوقًا به باعتباره مصدر غير رئيسي للمعلومات. ويعد ذلك أمرًا طبيعيًا لأن الفيديوهات القصيرة ومقاطع المعلومات الدقيقة اللازمة لاتخاذ قرارات تشخيصية سليمة. ليست كافية لتشخيص الحالة النفسية، قد يكون فيها إشارة أو تحذير فقط ولكن ذلك لا يعني الاعتماد عليها فقط في التشخيص. ولذلك لا يمكن الاعتماد عليها كتشخيص ذاتي أو حتى تشخيص للآخرين دون الرجوع إلى مصادر موثوقة.
د.مارينا حكميان أخصائية نفسية مرخصة في مركز ثرايف للصحة النفسية
ما هي عواقب التشخيص الخاطئ للأمراض النفسية؟
التشخيص الخاطئ للأمراض النفسية قد يؤدي إلى تداعيات خطيرة. يمكن أن يؤدي التشخيص الذاتي الخاطئ إلى علاج غير مناسب، مثل تناول الأدوية غير الضرورية أو إهمال المشكلات الأساسية الفعلية. ومن الممكن أن يتطور ذلك إلى معاناة طويلة الأمد، وزيادة القلق، وحتى إلى مشكلات نفسية جديدة مثل الاكتئاب. ولا تقف العواقب عند هذا الحد، فقد يؤثر التشخيص الخاطئ على تشكيل مواقف وسلوكيات خاطئة، الأمر الذي ينعكس على حياة الفرد و زيادة التوتر في علاقاته وضعف أدائه اليومي.
وتقول الدكتورة مارينا: “إن التسميات مهمة لأنها تترك أثرًا دائمًا على الفرد. إن الافتراض الخاطئ بأن التشخيص صحيح يمكن أن يؤدي إلى الحكم على أساس السمات الملحوظة المرتبطة بحالات الصحة النفسية. وهذا غالبا ما يغير سلوكنا تجاه الأفراد، وتصنيفهم على أنهم مختلفون عن القاعدة ويؤثر على أدائهم العام”
وتؤكد الدكتورة مارينا على أهمية”DSM-5″، الدليل التشخيصي والإحصائي المستخدم من قبل المتخصصين، والذي يحدد معايير صارمة لتشخيص الحالات النفسية. قبل الإسراع في الاستنتاجات والقلق من التسميات، من الضروري مراعاة ما يلي:
- يجب أن تكون الأعراض موجودة لمدة لا تقل عن ستة أشهر. هذا يضمن أن الأعراض مستمرة وليست مجرد ردود فعل مؤقتة لعوامل ظرفية.
- يجب أن تتسبب الأعراض في ضعف وظيفي في مختلف البيئات، مثل المنزل والعمل والتفاعلات الاجتماعية؛ هذا يعني أن الأعراض يجب أن تتداخل بشكل كبير مع الحياة اليومية والعلاقات الاجتماعية.
- لا يمكن أن تُعزى الأعراض إلى حالات أخرى. هذا يضمن أن الأعراض لا يمكن تفسيرها بشكل أفضل من خلال حالة طبية أو نفسية أخرى.
تقول الدكتورة مارينا: “عندما طرح عليّ بعض العملاء أسئلة حول إمكانية قدرتهم على التشخيص الذاتي، بدا الأمر لي في البداية أنهم مطلعون جيدًا وذوو معرفة واسعة. ومع ذلك كان سعيهم في المقام الأول هو شرح أعراضهم واختلافاتهم في التفكير والسلوك والمشاعر. إن التسرع في التصنيف والتسمية يمكن أن يؤدي إلى استنتاجات غير صحيحة وقلق غير ضروري”.
ضرورة طلب المساعدة من المختصين
تنصح الدكتورة مارينا الذين يعانون من ضيق في مشاعرهم أو سلوكياتهم أو أفكارهم، بطلب مساعدة مهنية فإن هذا أمر ضروري. وتضيف ” إن التقييم الشامل من قبل الأخصائي النفسي ضروري. قد لا تستوفي معايير التشخيص أو الأعراض المحدد لمرض أو حالة نفسية معينة، ولذلك إذا كانت هناك معاناة لشخص ما من الضيق فقد تحتاج إلى دعم، فإن ذلك يشير إلى أنه بحاجة إلى دعم.
أهمية التوجيه المهني في مجال الصحة النفسية
تشير الدكتورة على الأهمية البالغة للتوجيه المهني في مجال الصحة النفسية إذ لا ينبغي أن تحل سهولة الوصول للمعلومات عبر الإنترنت محل التقييم والعلاج المهني. يمكن أن يكون التشخيص الذاتي المستند على مصادر غير موثوقة مضللًا وضارًا، مما يؤدي إلى زيادة المضاعفات، بدءاً من العلاجات الغير مناسبة وصولاً إلى تفاقم الحالات النفسية. ولذلك يجب عدم الإعتماد على المنصات الرقمية في التشخيص الذاتي واهمال استشارة المختصين، لأنه يجب طلب المشورة من الخبراء لضمان التشخيص الدقيق والعلاج الفعال.
وختامًا، ومن أجل سلامة الجميع، يجب العلم بأن المعلومات المتاحة عبر المنصات الرقمية لا تغني عن استشارة المختصين، وضرورة الحاجة إلى التشخيص السليم وخصوصًا في مجال الأمراض النفسية. قد تكمن إفادتها في لفت الانتباه لبعض الأعراض ولكن يظل التشخيص الآمن هو الوسيلة الوحيدة للعلاج ومحاربة الأمراض.
مع تمنياتي للجميع بدوام العافية والسلامة في كل وقت،،،