تونس: لاجئات أفريقيات محرومات من الرعاية الصحّية 

14 يوليو 2024 - 11:50 ص

“يتطلّب وضعي الصحي إجراء جراحة عاجلة على مستوى الرحم، لكن كيف سأجريها وأنا لا أملك مالاً أو مأوى أبقى فيه إلى حين الانتهاء من العلاج؟ وفي حال خضوعي للجراحة، هل سأعود من المستشفى إلى الخيمة حيث تغيب أبسط الظروف المساعدة على الشفاء؟”… تسأل جميلة، واحدة من المعتصمات والمعتصمين من طالبات وطالبي اللجوء أمام مقرّ مُفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، في منطقة البُحيرة في العاصمة تونس، قبل فضّ الاعتصام. 

جميلة، هي امرأة خمسينية تحمل الجنسية السّودانية، هربت رفقة زوجها وأبنائها الخمسة من المعارك الدّائرة في بلدِهَا، دخلت التراب التونسي عبر الحدود الليبية، واستطاعت الوصول إلى العاصمة  قادمَةً من محافظة مدنين ( الجنوب الشرقي) خلال شهر نيسان/ أبريل الماضي، لتستقرَّ بها الحال موقتاً مع مجموعة من السودانيين، فرادى وعائلات، من طالبي اللجوء والمعتصمين في خيامهم منذ بداية السنة أمام مقرّ المفوضية.

أكثر من 50 شخصاً بين رجال ونساء وأطفال، في مكان تغيب فيه أدنى شروط الصحة، حيث لا يوجد ماء ولا أكل صحي ولا بيئة نظيفة، يشترك هؤلاء في حمام وحيد يقع في حديقة عمومية، تضم عشرات المهاجرين غير النظاميين  المعتصمين قرب مقرّ المنظمة الدولية للهجرة. 

تعاني جميلة من مرض في الرحم، اعتلّت صحتها في إحدى الليالي وتعرضت لنزيف حاد، نقلتها وحداتُ الحماية المدنية إلى مستشفى منجي سليم في العاصمة، حيث طلب منها الطبيب إجراء جراحة مُستعجلة، لكن ظروفها المادية الصعبة وغياب مكان يأويها خلال فترة العلاج، حالا دون إجرائها.

جميلة هي واحدة من مئات النساء من اللاجئات وطالبات اللجوء والمهاجرات المستقرات في تونس، المحرومات من النفاذ إلى حقّهن في الصحة الجنسية والإنجابية، التي أقرّتها المواثيق والاتفاقات الدولية المتعلّقة بحقوق الإنسان. 

يوجد في تونس 18 ألفاً و362 لاجئاً وطالب لجوء، من بينهم  3 آلاف و388 من  الإناث، وتحتلّ الفئة العمرية بين 18 و58 سنة، العدد الأكبر بألفين و307 لاجئات وطالبات لجوء، إلى حدود شهر حزيران/ يونيو  الماضي، وفق ما أورد موقع مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين. 

ويحتلّ عدد اللاجئين وطالبي اللجوء من الجنسية السودانية المرتبة الأولى في تونس، تليها الجنسية السوريّة والإيفوارية والصومالية ثم الكاميرونية،  ويتركز أكبر عدد من اللاجئين وطالبي اللجوء على التوالي في محافظات مدنين، تونس العاصمة، صفاقس، وسوسة.

إحصاءات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين 

ضمنت القوانين والدساتير حقوق الإنسان كافة للاجئين وطالبي اللجوء، وحقوق الإنسان عموماً هي الحقوق غير القابلة للتصرف، التي يستحقها الشخص لمجرد كونه إنساناً، وهي مبنية على المبادئ الأساسية للشمولية والمساواة وعدم التمييز، ومكرّسة في المعاهدات وقواعد القانون الدولي العرفي والقوانين الوطنية والمعايير الأخرى، التي تحدّدها وتساعد على ضمان التمتّع الكامل بها، وتنطبق حقوق الإنسان على الأفراد جميعاً، بمن فيهم الأشخاص المشمولون بولاية المفوضية.

وتعتبر اتفاقية عام 1951 وبروتوكولها لعام 1967 المتعلقان بوضع اللاجئين حجر الأساس لقانون اللجوء، ويكمّل كل من القانون الدولي للجوء والقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي بعضها الآخر، حسب ما نشرته المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بتونس.

تقول جميلة: “من المفترض أن توفّر المفوضية السّامية لشؤون اللاجئين، أطباء لمتابعة الحالة الصحية للاجئين وطالبي اللجوء، لكن المفوضية أوصدت أبوابها في وجوهنا، لا يأتي أحدٌ لزيارتنا، ولم يزُرنا أي طبيب منذ قدومنا إلى العاصمة، وإن تعرَّض أحد اللاجئين إلى وعكة صحية وتطلبت حالته العلاج، فإن المجموعة تتولّى جمع التبرّعات في ما بينها، وتنقل المريض إلى أقرب مستشفى. وأمام هذا الوضع، لا يمكن الحديث عن صحة النساء والفتيات خصوصاً، في غياب المتابعة الصحية للاجئين وطالبي اللجوء عموماً”.

تروي آمنة (27 سنة)، وهي سودانية وطالبة للجوء كانت رفقة جميلة في المخيم نفسه، قصة إحدى اللاجئات السّودانيات التي كانت حاملاً، وفاجأها المخاض في شارع الحبيب بورقيبة في العاصمة، فنقلها أحد المواطنين إلى المستشفى. تقول آمنة إنه بعد الولادة، لا تعلم من وفَّر لها غرفة في أحد النزل، لكنها تفاجأت بعد أيام قليلة، بإخراجها رفقة مولودها على رغم حالتها الصحية المتدهورة، والمحاولات الكثيرة للتواصل مع المفوضية، للتكفّل بإيجار النزل إلى حين تماثلها للشفاء، إلا أنها لم تتلقّ أي تجاوب. انقطع الاتصال بالأم، ولا يُعرف مكانها إلى لحظة الحديث مع معدّة التقرير. 

صعوبات في النفاذ إلى الخدمات الصحية 

تتشارك “ريم”( اسم مستعار، 31 سنة)،  ظروف العيش نفسها مع جميلة وآمنة داخل مخيم طالبي اللجوء أمام مقر المفوضية. قدمت ريم من السّودان مع زوجها وبناتها الثلاث، وخضعت لعملية إجهاض، وفقدت جنينها بعد دخولها إلى ولاية مدنين بأيام. لم تستطع ريم الذهاب إلى المستشفى لغياب المال الكافي للعلاج ولغياب الأوراق الثبوتية، التي تُمكنها من تحديد الهوية والحصول على بطاقة علاج من مفوضية شؤون اللاجئين، شأنها شأن غالبية طالبي اللجوء الذين يفتقدون الأوراق  الثبوتية لتحديد الجنسيات والهويات، ويُحرَمون بسبب ذلك من النفاذ إلى الخدمات الصحية المجانية في المستشفيات العمومية.

“على رغم الجهود المبذولة، إلا أن هناك نقصاً على مستوى تقديم الخدمات الصحية للتونسيين أنفسهم، فما بالك بالفئات الهشة المتمثلة أساساً في اللاجئات وطالبات اللجوء”، هذا ما كشفه مصدر من الجمعية التونسية للصحة الإنجابية في ولاية مدنين طلب عدم الكشف عن هويته. 

والجمعية التونسية للصحة الإنجابية، هي جمعية تطوعية غير ربحية، أُنشئت عام 1968، وتعمل في مجال الصحة الجنسية والإنجابية، وتساهم في تلبية الحاجات غير المُلبَّاة للنساء والرجال والفئات الهشة، بخاصة في مناطق الظل، من خلال العمل الثقافي والإعلامي. كما تقدّم خدمات في إطار شراكة متعدّدة القطاعات.

يقع المقر الرئيسي للجمعية في تونس العاصمة، ولديها فروع في محافظات عدة على غرار مدنين وقفصة، وهي تعمل من خلال فرع محافظة مدنين على مساعدة النساء اللاجئات والمهاجرات، كونه يحتوي على أكبر نسبة من اللاجئين/ات وطالبي/ ات اللجوء تصل إلى حوالى 8 آلاف لاجئ ولاجئة، ثلثهم من النساء والفتيات، ويتمركزون في غالبيتهم في مخيم الجدارية في جرجيس.

تَرِدُ إلى الجمعية إشعاراتٍ من المنظمات الشريكة، التي تعمل مع المهاجرين، ومن المواطنين أو من اللاجئين/ات أنفسهم، حول وجود حالات صحية تتطلب التدخل لفائدة اللاجئات، وتتعهد الجمعية بمتابعة حالاتهن خلال فترة الحمل، وتحوِّلهنّ إلى المؤسسات الصحية العمومية عند الولادة أو في الحالات التي تتطلب تدخلاً عاجلاً، وهذه الحالات تصطدم غالباً بإشكال تكلفة الخدمات كالولادة والتحاليل الطبية والأدوية، إذ لا تتكفل المفوضية بسداد مقابل الخدمات، أو تتأخر عن دفع التكاليف في حال كانت المريضة تحمل صفة لاجئة.

المصدر نفسه أكد أن هناك صعوبات أخرى، على غرار وجود لاجئات أو طالبات لجوء في مناطق يصعب الوصول إليها، خارج مراكز الإيواء والمخيمات، كما تعتبر اللغة وطريقة التواصل مع المنظمات والهياكل الصحية، حاجزاً أمام اللاجئات غير الناطقات باللغة العربية. 

“خلال فترة الدورة الشهرية، تتحصّل النساء على الفوط الصحية التي يستعملنها من خلال التبرعات، التي تُجمع من اللاجئين/ات في المخيم، لمساعدة بعضهم بعضاً في مثل هذه الحالات أو إن احتاج أحد منهم الى المساعدة”، تقول آمنة، وتضيف أن الدعم وروح التضامن بين أفراد المجموعة، أكبر بكثير من الدعم الذي يتلقونه من المنظمات، بخاصة مفوضية شؤون اللاجئين. 

سياق سياسي عمَّق الأزمة 

تُواجهُ اللّاجئات وطالبات اللّجوء من دول إفريقيا جنوب الصحراء، صعوبات في النفاذ إلى حقّهن في الصحة الجنسية والإنجابية، وتعمق هذا الحرمان إثر خطاب الرئيس التونسي قيس سعيّد، الذي اعتبره الرأي العام والمنظمات الدولية معادياً للمهاجرين، وعلى رغم اختلاف أوضاع اللاجئين وطالبي اللجوء من الناحية القانونية المفترض بها أن تكون أفضل من أوضاع المهاجرين غير النظاميين، فإن حالهم لا تختلف على أرض الواقع، حيث يشهدون المعاناة نفسها.

أوضاع اللاجئات وطالبات اللجوء والمهاجرات في تونس، جاءت  في سياق سياسي يقوم بانتهاكات ممنهجة ضد المهاجرين واللاجئين، وتتضاعف هذه الانتهاكات ضد اللاجئات وطالبات اللجوء من النساء خصوصاً، باعتبارهن فئة أكثر هشاشة داخل فئة هشة، وفق ما أكده رمضان بن عمر المتحدث باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعيةـ FTDES (منظمة غير حكومية) .

وقال بن عمر في تصريح لـ “إنكفاضة”: “إن نداءات استغاثة متكررة تصل من اللاجئات والمهاجرات الحوامل، أثناء فترة الولادة أو على خلفية أمراض يُصبن بها، أثناء وجودهن في تونس في ظروف غير صحية وغير إنسانية، إضافة إلى الانتهاكات التي  يتعرّضن لها أمام المقرّات الأممية في منطقة البحيرة، وفي غابات الزيتون في ولاية صفاقس، أو في مركز الإيواء في منطقة الجدارية في ولاية مدنين، حيث يُحرمن من أبسط حقوقهن، بما في ذلك حقهن في الصحة الإنجابية والجنسية. كما تتعرّض اللاجئات الحوامل إلى عنف مسلط عليهن من مجتمع اللاجئين نفسه، الذي يُجبرهن على القبول بظروف عيش قاسية ومهينة، ويدفعهن إما الى التّسول وإما الى العمل الهش، ويتعرضهن للاستغلال بمختلف أشكاله”. 

فيديو: رمضان بن عمر 

من جهتها، عبّرت الأمم المتحدة عن قلقها إزاء طرد المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء من تونس، إلى الحدود مع ليبيا والجزائر.

وأوردت في تقاريرها، أن كثراً من العالقين على الحدود قد لقوا حتفهم، مع وجود مئات الأشخاص، بمن فيهم النساء الحوامل والأطفال، يكابدون ظروفاً قاسية للغاية، فيما تقل فرص حصولهم على الطعام والماء.

حاولت معدة التقرير التواصل مع عدد من ممثلي المنظمات المعنية برعاية اللاجئين/ات  والمهاجرين/ات مثل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، إلا أنها لم تتحصل على رد، فيما تبقى أبوابها مغلقة إلى الآن، كما تواصلت مع أحد ممثلي المجلس التونسي لشؤون اللاجئين، ممن تتوافر أرقام هواتفهم على الموقع الإلكتروني للمنظمة، إلا أنه رفض الإدلاء بمعطيات أو تصريح، مكتفياً بالقول إنهم لا يتعاملون إلا مع الأطراف الرّسمية في الدولة، فيما شهدت هذه الجمعية مع جمعيات عدة أخرى عاملة مع المهاجرين واللاجئين، عمليات تفتيش  لمقارّها وتوقيف بعض مسؤوليها، من بينهم مسؤولة في “جمعية تونس أرض  اللجوء”، وإصدار بطاقة إيداع بالسجن ضد رئيسة جمعية “منامتي” المناهضة للتمييز العنصري، يوم 16 أيار/ مايو الماضي . 

تقول آمنة: “نحن لا نريد البقاء في تونس، بل نطالب بإجلائنا إلى مكان تتوافر فيه ظروف عيش أفضل، وتُحفظ فيه كرامتنا، بخاصة نحن النساء، نحن في خطر ولا أحد يعيرنا اهتماماً”.

يواجه اللاجئون والمهاجرون في بلدان العبور والبلدان المضيفة، سياسات تحرمهم من الحصول على الرعاية الصحية، ويعيش الكثير منهم، وبخاصة المهاجرين الذين ليست في حوزتهم وثائق لتعريف الهوية، على هامش المجتمعات، وقد يعانون من كراهية الأجانب والاضطرار إلى مزاولة أعمال خطيرة والعيش في مساكن لا تستوفي أدنى المعايير، حسب منظمة الصحة العالمية.

وقد تتأثر النساء (كذلك الأشخاص المتحولون جنسياً الذين لديهم قابلية الحمل) بالمخاطر المتعلقة بالحمل والولادة، وغياب خدمات الصحة الجنسية والإنجابية الفعالة والمناسب التوقيت. كما يمثل العنف القائم على النوع الاجتماعي والعنف الجنسي وسوء المعاملة والإتجار بالبشر، خطراً قد يتعرض إليه الكثيرون منهم.

يؤكد رمضان بن عمر، المتحدث باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أن “التدخل لفائدة النساء الحوامل اللاتي يعانين من أمراض مختلفة، هو أمر محدود وموضعي، إذ تصعب تغطية كل الحالات، بخاصة في المناطق الحدودية التي أصبح التدخل فيها ومساعدة اللاجئات فعلاً مُجرّماً في قوانين الدولة التونسية”.

جميلة وآمنة وريم وغيرهن من النساء طالبات اللجوء في تونس، اللاتي كن ينتظرن التفاتة لمساعدتهن في علاج  أمراض متعلقة  بالصحة الإنجابية، كمرض الرحم ومخلفات الإجهاض والرعاية خلال الدورة الشهرية، وحمايتهن من الأمراض السارية التي تهددهن كنساء، في غياب أدنى شروط العيش الصحي، تعرضن إلى إخلاء مخيمهنّ والطرد بالقوة العامة مع بقية اللاجئين/ ات خلال الليلة الفاصلة بين 2و 3 أيار الماضي،  ليجدن أنفسهن في منطقة تابعة لمحافظة حدودية مع الجزائر، فيما تم إيقاف البعض الآخر، ممن كانوا برفقتهن أمام مقر المفوضية السامية لشؤون اللاجئين وأمام مقر المنظمة الدولية للهجرة.  

إقرأوا أيضاً: