هل استخدم “ديب سيك” خوارزميات “أوبن إيه آي” حقا؟ | تكنولوجيا

9 فبراير 2025 - 4:22 م

تسببت تقنية “ديب سيك” في ضجة واسعة عالميًا بين جميع المهتمين بتقنيات الذكاء الاصطناعي والأعمال، وبينما تفاوتت الآراء بشأن جودة التقنية ومدى دقة نتائجها، انتبهت “أوبن إيه آي” بالتعاون مع “مايكروسوفت” -شريكها التقني ومستثمرها الأكبر- إلى نقطة مظلمة في التقنية الجديدة، إذ يشتبه في سرقتها تقنيات “أوبن إيه آي” واستخدامها “شات جي بي تي” لتدريب نموذج “ديب سيك”.

رسميًا، ما زالت “أوبن إيه آي” تجري التحريات الضرورية من أجل الوصول إلى الحقيقة والتيقن قبل الإعلان رسيمًا عن استنتاجات التحقيقات، ولكن بحسب العديد من المقربين للشركة فضلًا عن ديفيد ساكس -أحد مستشاري إدارة ترامب الملقب بـ”قيصر الذكاء الاصطناعي”- فإن “أوبن إيه آي” لديها دليل واضح على استغلال نماذجها وتقنياتها لتدريب “ديب سيك”، ولكن هل يمكن حدوث ذلك؟ أم هي مجرد دعاية مضادة للتقنية الجديدة؟

تسبب “ديب سيك” في ضجة واسعة عالميا بين جميع المهتمين بتقنيات الذكاء الاصطناعي والأعمال (رويترز)

أثر “ديب سيك” على الأسواق العالمية لتقنيات الذكاء الاصطناعي

خرجت تقنية “ديب سيك” بصورة يبدو صفعة مدوية لشركات الذكاء الاصطناعي الأميركية سواءً كانت “شات جي بي تي” أو غيرها، فبينما تدعي الأخيرة ارتفاع تكلفة تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي وصعوبة هذا الموضوع، خرجت شركة صينية ناشئة لتقدم التجربة ذاتها ولكن بكلفة أقل بمئات المرات عن “شات جي بي تي”.

انخفاض كلفة التدريب التي وصلت في “ديب سيك” إلى 5 ملايين دولار فحسب مقارنةً مع مئات المليارات من الدولارات في “أوبن إيه آي”، أتاح للشركة تقديم نماذجها بتكلفة مخفض للغاية وأقل من المنافسين الأميركيين، الموضوع الذي يمثل إزعاجًا كبيرًا للمستثمرين في شركات الذكاء الاصطناعي.

فبينما تحصد الشركات مثل “أوبن إيه آي” وغيرها أرباحًا من استعمال النماذج الخاصة بها والخدمات المتنوعة التي تقدمها، يعد الاستثمار في أسهم الشركة مصدر الدخل الحقيقي لها والآلية التي تدفعها للأمام وتزودها برأس المال الكافي لاستمرار تطوير تقنياتها والعمل على تقنيات حديثة.

في الماضي، آمن المستثمرون بأن تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي مكلف ويحتاج إلى مئات الآلاف من شرائح “نفيديا”، ورغم تحذيرات خبراء الأسواق المالية من الكلفة المرتفعة لتطوير هذه التقنيات، فإن المستثمرين لم يتوانوا عن الاستثمار في “أوبن إيه آي” و”نفيديا”، التي قفزت إلى قمة نادي التريليون دولار في وقت قياسي.

ولكن عقب ظهور “ديب سيك”، تزحزح هذا الإيمان بصورة كبير، إذ استطاعت الشركة الصينية الناشئة تطوير تقنية تنافس وتحاكي “شات جي بي تي” بكلفة لا تذكر، مما جعل خيال المستثمرين يتأرجح بين خيارين، الأول وهو أن “أوبن إيه آي” و”نفيديا” أوحت لهم بأن كلفة التطوير مرتفعة، أو أن الشركات الصينية لديها القدرة على تدريب نماذج ذكاء اصطناعي بكلفة أقل كثيرًا، وذلك إما من خلال السبل التقنية وإما من خلال سبل التدريب البشري.

وفي كلا الحالتين، يصبح الاستثمار في الشركات الأميركية الباهظة أمرًا غير مجد، لذا انسحب العديد من المستثمرين، في سقوط حر لأسهم شركات الذكاء الاصطناعي جعلها تخسر ما يقرب من تريليون دولار.

لا يمكن القول بصورة مباشر إن شركة “ديب سيك” سرقت بيانات  أو نماذج “أوبن إيه آي”، لكن الدلائل الموجودة حاليا تشير إلى أنها استخدمت هذه التقنيات لتدريب نماذجها فيما يعرف باسم “التقطير” (رويترز)

كيف يمكن استعمال “شات جي بي تي” لتطوير “ديب سيك”؟

لا يمكن القول بصورة مباشر إن شركة “ديب سيك” سرقت بيانات أو نماذج “أوبن إيه آي”، ولكن الدلائل الموجودة حاليًا تشير إلى أنها استخدمت هذه التقنيات لتدريب نماذجها فيما يعرف باسم “التقطير”، وهي آلية تتيح للشركات الصغيرة تدريب نماذجها باستخدام النماذج الأكبر والأكثر قوة.

تعود بداية هذه الشكوك إلى خريف عام 2024، حين لاحظت مايكروسوفت -التي تعد الشريك التقني الأكبر في “أوبن إيه آي” وأحد أكبر مستثمري الشركة- تواجد استهلاك غير معتاد في الواجهة البرمجية لنماذج “أوبن إيه آي”، وهي التقنية التي تتيحها الأخيرة من أجل الربط مع الشركات الخارجية واستغلال “شات جي بي تي” لأقصى الحدود.

هذا الاستهلاك كان يستخلص أحجاما كبيرة من البيانات من خوادم “أوبن إيه آي” من خلال طرق استعمال غير مصرح بها من الشركة، وبحسب تحقيق مايكروسوفت، فإن الحسابات التي كانت مسؤولة عن عمليات استخلاص البيانات مرتبطة بالفرق السيبرانية الصينية، وعلى الأغلب مرتبطة أيضًا بـ”ديب سيك”، وفور أن لاحظت الشركة هذا الموضوع أنبأت “أوبن إيه آي” لأن استخلاص هذه البيانات يخالف سياسة استعمال الواجهة البرمجية بصورة مباشر.

بصورة عام، تعد هذه الطريقة في تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي معتادة للغاية، إذ تقوم بها الكثير من شركات الذكاء الاصطناعي الصينية والناشئة في الولايات المتحدة، فضلًا عن عدد من الجهات الأكاديمية التي تحتاج هذه النماذج في أبحاث أكاديمية، وهي طريقة تتيح للشركات توفير الاختبارات البشرية وتجنبها بصورة كامل، وذلك بحسب حديث ريتويك جوبتا طالب الدكتوراه في الذكاء الاصطناعي في جامعة كاليفورنيا بيركلي لصحيفة “فايننشال تايمز”.

أضاف جوبتا أن استعمال “ديب سيك” مثل هذه الآلية ليس مفاجئا بالنسبة له، ومن المتوقع أن تستمر فيه إلى جانب الشركات الصينية الأخرى وبعض الشركات الناشئة في قطاع الذكاء الاصطناعي، وهو أمر معروف للجميع.

رسميًا، لا تمنع شركة “أوبن إيه آي” تقنية “التقطير” من أجل تسخير نماذجها الرائدة في تدريب النماذج الأصغر والأقل حجمًا، ولكنها تضع شروطًا وتسعيرا مختلفًا لهذا الموضوع، وهي بكل تأكيد تحظر استعمال التقنية من أجل تطوير نماذج ذكاء اصطناعي تنافس “شات جي بي تي” في الحجم وتتدرب على بيانات توازيه في الحجم، إذ تنظر الشركة لهذا الاستخدام على أنه خرق لقوانين وسياسة الاستخدام الخاصة بالمنتج الخاص بها، فضلًا عن كونه سرقة فكرية لنموذج “شات جي بي تي”.

فور ظهور نموذج “ديب سيك” خرج الرئيس الأميركي دونالد ترامب في بيان موجه للشركات الأميركية قائلًا إن ظهور هذا النموذج هو جرس إنذار يجب على الجميع الانتباه له (غيتي)

دعم حكومي

فور ظهور نموذج “ديب سيك” خرج الرئيس الأميركي دونالد ترامب في بيان موجه للشركات الأميركية قائلًا بأن ظهور هذا النموذج هو جرس إنذار يجب على الجميع الانتباه له، وذلك قبل حتى أن تخرج “أوبن إيه آي” أو مديرها التنفيذي سام ألتمان ببيان رسمي.

عزز هذا الاهتمام من موقف الحكومة الأميركية ووضعها تقنية “ديب سيك” تحت المجهر، وربما كان هذا هو المسبب الذي جعل “أوبن إيه آي” تصل إلى الاستنتاج الماضي وتكتشف استعمال نماذجها في تدريب “ديب سيك”.

وتشير تصريحات ديفيد ساكس إلى أن الحكومة الأميركية تنوي إصدار إجراءات صارمة ضد “ديب سيك” وأي شركة صينية تستخدم نماذج الذكاء الاصطناعي الأميركية بصورة غير قانوني، ولكن يبدو أن هذه الخطوة تنتظر تصريحا رسميا من “أوبن إيه آي”، التي بينت إلى أنها تعمل بصورة وثيق مع الحكومة الأميركية من أجل مراقبة الوضع والتصرف بصورة لائق.

في الوقت الحالي، تجنبت مايكروسوفت و”أوبن إيه آي” وحتى “ديب سيك” التعليق رسميًا على هذا الموضوع، وفق ما نقلته عدة صحف عالمية مثل “بي بي سي” وواشنطن تايمز وبلومبيرغ، ومن المتوقع أن تظهر المزيد من المستجدات في الأيام القادمة.